الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يَصِفُ أَنَّهُ نَامَ عَنْ إبِلٍ، فَأَخَذَهَا ضُحًى قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الضَّحَاءُ.وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الضَّحَاءَ بَعْدَ الضُّحَى، حَقٌّ إنَّهُ لِيَتَمَادَى إلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَفِي الْحَدِيثِ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ حِينَ هَاجَرَ، وَقَدْ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَزُولُ.المسألة الثَّانِيَةُ:فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِيهِ قولان:أحدهما: «أَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رُمِيَ بِالْحَجَرِ فِي إصْبَعِهِ فَدَمِيَتْ؛ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قال: فَمَكَثَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا يَقُومُ، فَقالتْ امْرَأَةٌ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ؛ مَا أَرَى شَيْطَانَك إلَّا قَدْ تَرَكَك؛ فَنَزَلَتْ السُّورَةُ.الثَّانِي: رَوَى جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي الصَّحِيحِ قال: اشْتَكَى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَقالتْ: يَا مُحَمَّدُ، إنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُك قَدْ تَرَكَك.وَفِي رِوَايَةٍ: مَا أَرَى صَاحِبَك إلَّا أَبْطَأَك، فَنَزَلَتْ.وَهَذَا أَصَحُّ.المسألة الثَّالِثَةُ:بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ (تَرْكُ الْقِيَامِ لِلْمَرِيضِ) وَأَدْخَلَ الْحَدِيثَ لِيَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ وُجُوبُ قِيَامِ الليل.وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقول الْمُحَقَّقَ فِيهِ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحْدَهُ.المسألة الرَّابِعَةُ:الْحَدِيثُ بِأَنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اشْتَكَى، فَتَرَكَ الْقِيَامَ صَحِيحٌ وَذِكْرُهُ فِيهِ:«هَلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ** وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ»غَيْرُ صَحِيحٍ وَقوله: فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَسْقَطَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، خَرَّجَهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي صَرِيحِ الصَّحِيحِ.الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تنهر} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:المسألة الأولى:ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا قوليْنِ:الأول: وَأَمَّا السَّائِلَ لِلْبِرِّ فَلَا تنهر أَيْ رُدَّهُ بِلِينٍ وَرَحْمَةٍ؛ قالهُ قَتَادَةُ.الثَّانِي: سَائِلُ الدِّينِ لِلْبَيَانِ لَا تنهرهُ بِالْجَفْوَةِ وَالْغِلْظَةِ.المسألة الثَّانِيَةُ:أَمَّا مَنْ قال: إنَّهُ سَائِلُ الْبِرِّ فَقَدْ قَدَّمْنَا وُجُوهَ السُّؤَالِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَكَيْفِيَّةَ الْعَمَلِ فِيهِ، وَقول مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى، فَكَيْفَ بِالْأَذَى دُونَ الصَّدَقَةِ.وَأَمَّا السَّائِلُ عَنْ الدِّينِ فَجَوَابُهُ فَرْضٌ عَلَى الْعَالِمِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَإِعْطَاءِ سَائِلِ الْبِرِّ سَوَاءً، وَقَدْ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَنْظُرُ إلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَيَبْسُطُ رِدَاءَهُ لَهُمْ، وَيَقول: مَرْحَبًا بِأَحِبَّةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.وَفِي حَدِيثِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقول: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ، فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا».وَفِي رِوَايَةٍ: «يَأْتِيكُمْ رِجَالٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ» فَذَكَرَهُ.الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قوله تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فحدث} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:المسألة الأولى:فِي قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فحدث} ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أحدهَا أَنَّهَا النُّبُوَّةُ.الثَّانِي: أَنَّهَا القرآن.الثَّالِثُ: إذَا أَصَبْت خَيْرًا أَوْ عَمِلْت خَيْرًا فحدث بِهِ الثِّقَةَ مِنْ إخْوَانِك؛ قالهُ الْحَسَنُ.المسألة الثَّانِيَةُ:أَمَّا مَنْ قال إنَّهَا النُّبُوَّةُ فَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنُ الْهَادِ، قال: جَاءَ جِبْرِيلُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقال: يَا مُحَمَّدُ، اقرأ. قال: «وَمَا أَقرأ؟» قال: {اقرأ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَقال لِخَدِيجَةَ: يَا خَدِيجَةُ؛ مَا أَرَانِي إلَّا قَدْ عُرِضَ لِي.فَقالتْ خَدِيجَةُ: كَلًّا وَاَللَّهِ، مَا كَانَ رَبُّك لِيَفْعَلَ ذَلِكَ بِك، وَمَا أَتَيْتَ فَاحِشَةً قَطُّ.قال: فَأَتت خَدِيجَةُ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؛ فَقال وَرَقَةُ: إنْ تَكُونِي صَادِقَةً فَزَوْجُك نَبِيٌّ، وَلَيَلْقِيَنَّ مِنْ أُمَّتِهِ شِدَّةً، فَاحْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالتْ خَدِيجَةُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَرَى رَبَّك إلَّا قَدْ قَلَاك، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {والضحى} يَعْنِي السُّورَةَ.فَهَذَا حَدِيثُهُ بِالنُّبُوَّةِ.وَأَمَّا حَدِيثُهُ بالقرآن فَتَبْلِيغُهُ إيَّاهُ، قالتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَوْ كَانَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا مِنْ الْوَحْيِ شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ تَقول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَكَ}.وَقالتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْيِ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاَللَّهُ يَقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَغْت رِسَالَتَهُ}.وَأَمَّا تَحَدُّثُهُ بِعَمَلٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِإِخْلَاصٍ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الثِّقَةِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ إلَى الرِّيَاءِ، وَأَسَاءَ الظَّنَّ بِسَامِعِهِ.وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ؛ قال: دَخَلْت عَلَى أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، فَقال: لَقَدْ رَزَقَ اللَّهُ الْبَارِحَةَ خَيْرًا، صَلَّيْت كَذَا وَسَبَّحْت كَذَا.قال: قال: أَيُّوبُ: فَاحْتَمَلْت ذَلِكَ لِأَبِي رَجَاءَ.وَمِنْ الْحَدِيثِ بِالنِّعْمَةِ إظْهَارُهَا بِالْمَلْبَسِ وَالْمَرْكَبِ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ»؛ وَإِظْهَارُهَا بِالْمَلْبَسِ وَالْمَرْكَبِ.وَإِظْهَارُهَا بِالْجَدِيدِ وَالْقَوِيِّ مِنْ الثِّيَابِ النَّقِيِّ، وَلَيْسَ بِالْخَلِقِ الْوَسِخِ، وَفِي الْمَرْكَبِ اقْتِنَاؤُهُ لِلْجِهَادِ أَوْ لِسَبِيلِ الْحَلَالِ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. اهـ.
|